الخابور - خطاب شيحة
ما مِن احتلال عبر التاريخ، سواء كان بشكل الدولة المعتدية أم العصابات التي لا تمتلك غير تاريخها الإجرامي وهي قادمة من وراء الحدود لتغتصب حقوق الناس وحياتهم الآمنة، إلا وتهيأ فيه أصحابُ النفوس الداعرة ليؤهلوا له أرض بلادهم تمكيناً لاحتلالها بيسر؛ طمعاً في رضاه وزلفةً إليه، لعلهم يحظون بما يلقيه المحتل في جيوبهم من بضع دولارات.
لو كانت الكرامة قيمةً أصيلة في شخصياتهم، لكانت حقاً طبيعياً لهم، وهؤلاء في كل الحقب التاريخية يُطلق عليهم الناس "ذيول الاحتلال". فلا يبرز من مواهبهم المعتلة بعطشهم للارتماء في حضن السلطة سوى إجادة التسلق على أوجاع الناس، في مشهد تراجيدي للوصول إلى مرتبة مطية هادئة يلقي من فوق ظهرها المحتلُّ المشاريعَ الشاذة على الشعب المغلوب على أمره.
وكذلك يتقن أولئك المأجورون التلون مع النائلين من هيبة الوطن، وفي أوضح الصور تجدهم ينسلخون عن انتمائهم، مجسّدين لقول المحتل نابليون بونابرت: "مثل الذي خان وطنه وباع بلاده كمثل الذي يسرق من مال أبيه ليطعم اللصوص، فلا أبوه يسامحه ولا اللص يكافِئه"، وهذا أوضح اختصار لبائع الوطن بدناءة وحشية.
بإسقاط تلك المقدمة العامة على الواقع السوري، ستجد قسد بقيادة إرهابيي قنديل واقعاً مراً مستوفياً كل شروط الاحتلال على أساس قومي فج، يقوم على سياسة الإقصاء الممنهجة بحق سكان المنطقة الأصليين، وهذا ما بدا جلياً في مؤتمر ما يسمونه "الكونفرانس الكردي" الذي يمثل صورة منتظمة للعنصرية العمياء عن رؤية الأغلبية العربية بالإضافة إلى ألوان أخرى من السكان، وهم السريان والتركمان، على الأرض التي يغتصبونها. وهذا أمر ليس خارجاً عن طبيعة الفاقد للاتصال التاريخي والرابط الإنساني مع العمق الحضاري لمنطقة الجزيرة السورية.
واستكمالاً لإسقاط الشق الثاني من المقدمة العامة لهذا المقال، على واقع محافظة الحسكة المبتلية باحتلال ميليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي "ب ي د" بقيادة إرهابيي قنديل، التي لا تمثل بأي حال من الأحوال إلا جرائمها، وعلى رأسها جريمة تشويه صورة المجتمع الكردي السوري، وبراعتها بالتحريف المضحك لتاريخ ضفتي نهر الخابور بهتاناً، فستجد صورة "محمود دحام المسلط" ناهضة بخسة فردية مرتزقة على دماء أطفال ونساء وركام القرى العربية التي دمرها حقد القنديليين.
إذ راح يمتهن مع العصابة المحتلة ضمن جو فاسد ورخيص من الخيانة انتهاب حياة الناس، خدمة لهم في عملية خبيثة لقطع الأثر الوطني، بهدف طمس حق الشعب السوري في العيش على أرضه الواحدة، وضرب العلاقة الآبدة بينه وبين تلك الجغرافيا.
على الرغم من تناسي مجرمي قنديل حضور عاملهم "محمود دحام المسلط" في مؤتمرهم الكردي الخاص، كممثل مفترض عن الشريحة العربية التي ذهب يُموِّه على نفسه وعليها كذباً وتدليساً أنه واجهة لمطالبها ظاهرياً، بينما يستبطن المتاجرة بحقوقها ابتغاء الحصول على ما سولت به نفسه من مصالح ضيقة مقيتة لا تتجاوز غروره في تلذذ السلطة بخلل عقلي لمخلوق فارغ من الشعور الوطني.
وسط إهمال المؤتمرين لوجوده في صورة مهينة تشبه تماماً إهمال الفيزيائي الحاذق لوزن ودور الخيط الرابط للكتل المعدنية في حسابات التجربة الفيزيائية، فقد اكتالوا أقداح الرأي الذي يخدم مشروعهم القومي الانفصالي، دون أدنى حسابات لأكثرية الشعب العربي، الذي يزعمون أنهم شركاء له في تسويقهم السياسي.
كل تلك التنازلات التي قدمها "المسلط" والثلة التي تلتف حوله وتتقايس مع عبثه، في تقديم وحدة سوريا للمقامرة على طاولة الغرباء، لم تشفع له في تبوُّؤ مركز حقيقي فاعل في المشهد السياسي، على الأقل ليزيح عنه صورة البائع لأهله، بل ما يزال مصراً على طرح نفسه بوزن خفيف لا يؤثر في كفة الميزان العنصري لقسد من الناحية العملية.
أما من ناحية استخدامه كأداة تلميع لتاريخها الإجرامي، فهو مثابر تملقاً على انتحال المعاذير الواهية لتبرئة رقاب قيادات حزب العمال الكردستاني "بي كي كي" من جرائمهم ضد الإنسانية، في حالة صمم على أذان ضميره لتغييب صرخات أطفال سوريا تحت مقصلة قنديل الصفراء.
مع اختيار الأحزاب الكردية بكل مسمياتها، التشارك مع إرهاب قنديل فعلَ الاحتلال لجزء من سوريا تحت عنوان "الحوار الكردي - الكردي"، حتى بهذه التوليفة المسخ، لم يكن لمحمود المسلط أي نصيب من الطرح العنصري المشوه الذي لا يشبه سكان المنطقة.
الأمر الذي أفرز لديه شعوراً متنامياً باقتراب سقوطه في مزبلة التاريخ، النهاية الحتمية لمن استبدل عزوة أهله والتخندق بنوايا أعدائهم الشريرة والتنفس معهم الهواء الأصفر. إلا أن طبيعة المتسلقين تأبى الاعتراف بالحقيقة الجلية، فلجأ إلى الالتفاف على الواقع المر وستر فضيحة فشله بدخول الحسابات كلاعب أساسي له وزن ومكافأة الخائن في المشروع الانفصالي، بالدعوة لعقد مؤتمر "الكونغرس العربي" كمؤامرة أخيرة تقدم ألعن المبررات لاستخدام الغرباء مشرطهم في حز روح سوريا المتمثلة بمحافظة الحسكة.
التي تعتبر خزان قوتها وشريان حياتها النابض، من خلال لعبة المخاتلة على الطيف العربي الواسع عبر فتح بسطة سياسية يتبادل عليها بطفولة الانتهازي ما تبقى من أمانيهم بمفاسد المحتلين الذين ينوون تصميم المؤتمر كحجة في ادعاء الديمقراطية أمام عين العالم الداعم لنشاطهم، والذي يمتلق العلل الباطلة لتقسيم سوريا.
مع كل هذا الأسلوب الرث المتجسد بالبيع البخس الذي يتأوَّله "محمود المسلط" ويحتال به لاستثمار تضحيات السوريين، في أعظم ثورة للتحرر من الظلم والاحتلالات والمليشيات الطائفية العابرة للأخلاق، واستغلال هذا الوضع في إطار شخصي يمتاز بالأنانية المفرطة على مصالح الناس، هل يظن أنّ أبناء سوريا عامة وأبناء الحسكة خاصة سيتركونه كأرملة سياسية فالتة من عقال المجتمع تشرف على هلكة بلدهم وتخاطر بحاضرها ومستقبلها؟
إنّ الحالة اللاوطنية التي وصلها لم تترك مكاناً للتسامح أو للخروج به من مقام الخادم المطيع، وحتى لو اجتمع كل جهابذة النحو فلن يحظى بأكثر من موقع المفعول فيه في الجملة السياسية، فقد أصبح الخرقُ واسعاً جداً لايقبل الرقع.
الخاتمة:
في هذا المقال لم يكن القصد إهانة أحدٍ ما، بقدر ما هي مسؤولية وطنية من الواجب التوضيح فيها للشعب السوري، كيف تجاوزت ثلة من الذين ارتهنوا كرامتهم على كيانهم الإنساني وفطرتهم ووضعوا أنفسهم في محل الإهانة خدمة للمتربصين بوطنهم وأهلهم، وحتى لا ينسى أولئك أنّ الاحتيال على العاطفة الاجتماعية سيمر على عقل الثورة المنتظم الدقيق، دون عقاب ولعنة تاريخية.