الخابور-هاشم الديري

تقوم سياسة تنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي "ب ي د" في الجزيرة السُّوريَّة الذي يتستر بمليشيا قوات "قسد" منذ نشأتها، على استثمار لعبة الإرهاب التي تخولها لعب دور الحاجز الفاصل بين سكان المنطقة المؤلف من بيئة اجتماعية عشائرية، وبين اللاعب الدَّولي الرئيسي في المنطقة (أمريكا )؛ لمنع وصول الصوت العربي الذي يطالب بإدارة المنطقة من قبل أهلها الأصليين. فأعدَّت المليشيا لهذا الغرض سياسة ممنهجة تبدأ بالتخاذل الأمني، وفسح المجال لإنجاز الكثير من الأحداث التي تبدو كتصفية حسابات، ضمن إطار نشاط خلايا داعش، واغتيال الأصوات العشائرية المخوَّلة لطرح رؤية العشائر كونهم يحظون باحترام في أوساط قبائلهم على الأقل من ناحية الاستقرار الاجتماعي والأمني في القرى التي تقطنها تلك العشائر، والممتدة على مساحة تشمل مناطق النفط.

اغتيال الأصوات العشائرية
ولإتمام هذه المهمَّة التي تضمن تغييب صوت أهالي المنطقة، أطلقت "قسد" التي يقودها تنظيم "ب ي د" المُدرَج على لوائح الإرهاب، يداً مجهولة تكفَّلت باستهداف مشايخ ووجهاء القبائل في ريف دير الزور الشرقي، كما حصل بالفعل عندما استهدفتْ في الأمس الشيخ (علي الويس) في قرية الدحلة، وهو أحد مشايخ قبيلة البكارة، وبنفس الطريقة تمَّ استهداف الشيخ (مطشر الهفل) شيخ قبيلة العكيدات أيضاً في الريف الشرقي، وقد عُرِف عنهما عدم قبولهما العمل في الواجهة المدنية التي تُدَار من قبل المليشيا، كما كان للشيخين الموقف الرجولي نفسُه في وقت سابق، أثناء سيطرة داعش على ريف دير الزور.

إذاً، حسب ترجيح من له المصلحة في هذه الجريمة تمَّت الإشارة من قبل كثير من الناشطين الإعلاميين والواجهات الاجتماعية في المنطقة إلى تنظيم "ب ي د" التي أرادت للجريمة أن تحمل طريقة داعش في تصفية خصومها، لكن بصمة استخبارات "ب ي د" واضحة في الفعل الذي يتناسب مع سياستها في تغييب أيِّ صوت يرفض العمل تحت عباءتها.

فأقل ما يستطيع الإنسان البسيط قوله: إنَّ هناك تقصيراً أمنياً من قِبل "قسد" التي يقع مسرح الجريمة تحت سيطرتها، خصوصاً بعد إعلانها عبر كلِّ ما تمتلكه من وسائل إعلامية قيامها بأكثر من حملة عسكرية لإنهاء وجود ماتزعم أنَّها خلايا تابعة لـ داعش، فأيَّة إشارة من قبل قيادات "قسد" إلى تحميل داعش المسؤولية عن استهداف الرموز العشائرية، يضعها في معادلة المنطق الذي لا يقبل العكس، إمَّا أنَّ تلك الحملات فاشلة فشلاً مقصوداً راح ضحيتها الأبرياء المدنيُّون وطالت كلَّ من لا يقبل سياساتها، أو أنَّ حملاتها العسكرية قاصرة عن صناعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وفي كلتا الحالتين يكون أهل المنطقة أقدر على إدارة مناطقهم، وهذا ما تشير إليه البديهية السياسية؛ فعندما تكون اليد المجرمة مجهولة يكون الهدف من الجريمة معلوماً، ببساطة يكون الهدف هو إثارة الفتن بين القبائل، خصوصاً وأنَّ مليشيا قسد التي تقودها عقول إرهابية تكون الأقدر على الانحراف بدفة السفينة نحو الفوضى وضرب الاستقرار، وخاصةً بعد انخفاض أسهم "ب ي د" لدى التحالف الدولي، وهذا ما بدأ يظهر في الحسابات الأمريكية في الآونة الأخيرة.

الهدف من إشاعة الفوضى
من الواضح أنَّ المليشيا باتت تطرح نفسها لإدارة مناطق النفط من خلال سيناريو ضرب العشائر المؤهلة لإدارة المنطقة ببعضها البعض، وذلك باستخدام خبيث لليد المجهولة التي لا تتوقف عن اغتيال الرموز الاجتماعية، وإشاعة الفوضى لتطغى على المشهد؛ فيبدو الاستقرار الذي تبحث عنه أمريكا مهددَّاً بالتخمينات العشائرية حول المسؤول عن هذه التصفيات.

هنا تتوضح الصورة المستقرة في حسابات استخبارات "ب ي د" أنَّ أهمَّ مؤهلات الاستقرار يكمن في أمن القبائل الكبرى في دير الزور (البكارة، العكيدات).

من هنا تبرز النتيجة بشكل منطقي؛ إنَّ استهداف رموز القبيلتين خلال يومين على التوالي، هو البحث عن خلط أوراق يختصر خبث قيادات قنديل الإرهابية لإيصال رسالة مفادها؛ بأنَّ القبائل التي لا تستطيع حماية رموزها غير قادرة على إدارة المنطقة، فيطغى الهدف الأكثر وضاعة للمليشيا بأنَّ القبائل نفسها ستتحول بعد خسارة رموزها، ذات الوزن الاجتماعي الثقيل في المجتمع، إلى أداة لضرب الاستقرار فتكون الفرصة سانحة لتنظيم "ب ي د" الإرهابي في طرح نواياها بشكل مباشر على التحالف الدَّولي بقيادة أمريكا "على أنَّها هي الوحيدة المؤهلة لإدارة المنطقة في ظل واقع عشائري مشتَّت".

الخلاصة في هذا الظرف الاستثنائي الذي تمر به المنطقة، وأمام المخطط الشيطاني لتشتيت الطاقة البشرية، على أبناء العشائر أن يتحلّوا بالحكمة التي تفترض أوَّلاً تحميل تنظيم "ب ي د" مسؤولية هذه الفوضى، وثانياً مطالبة التحالف الدولي بطرد هذه المليشيا المحتلة، وترك إدارة المنطقة لأهلها الأصليين.