الخابور - ماجد الديري
عندما كنا صغاراً، كان النعاسُ يهجم علينا فيدخلنا في مرحلة التهويمات؛ الأمر الذي يستنفر حواسنا لتقاومه في أحيان كثيرة، فيجهدنا ذلك ونلجأ لطرده بالبكاء.
كل هذا الاستنفار لحواسنا بوجه النوم؛ حتى لا يفوتنا من أحداث الحياة شيء، فالغياب عن مسرح الحياة شيءٌ رهيب وفكرةٌ مخيفة، هذا هو الهدف بكلِّ بساطة من مغالبة النوم، في هذه الحيثية الصغيرة من حياتنا تلك الغضَّة الناعمة.
عندما يصلُ الحد بنا إلى مقاومة النوم بالبكاء، يلجأ الأبوان إلى ضمنا والهدهدة علينا في حجر أحدهما، على الأغلب تكون الأم من يفعل ذلك. هي محاولة منهما لزرع الطمأنينة عندنا، وبأنهما بجانبنا ولن يتركانا فريسةً سهلةً للنوم. ولكن تحت إلحاح البراءة في نهاية المعادلة، نركن للنوم بتلك الطمأنينة والرضا بأنَّهما لن يتركانا ـ حتى بعد أن نستغرق في النوم ــ للأحلام المزعجة تنفرد بأجفاننا. إلا أنَّ الحقيقة سيصيبها بعض التبديل بعد أن نستسلم للنوم، فالصورة ستتبدل أركانها من حيث الآلية، وستبقى ثابتة من حيث الدلالة، إذ إنَّ سنَّة الحياة لها كلامٌ آخر؛ فالأب يذهب لإتمام مسامرته مع الأصدقاء مع تأهُّب حواسه لأي نأمة تصدر عنَّا، مع الحرص على عدم ترك أي مؤثر خارجي يهدد فترة راحتنا، بينما ستنصرف الأم لقضاء بعض أعمال البيت. هنا من حيث المبدأ لا يوجد أي تقصير من الوالدين، إنما تمنياتنا البريئة للمشهد تسوق مخيلتنا الناعمة أن يكون – المشهد - مطابقاً لخوفنا من النوم الذي نفسره ببدائية، بأنه غياب سيفوِّت علينا بعض اللعب وكثيرَ المسليات، ولن يتركنا الوالدان وحيدين دون مراقبة هذا المشهد بكلِّ أبعاده.
كل هذا المشهد يندرج تحت عنوان "سياسة الأب في إقناع طفله بالنوم كضرورة لاستكمال نموه"، وهو مطابق تماماً لسياسة القائمين على إدارة شؤون الشعوب؛ من حيث الصورة ولكنه مختلف من حيث النية، إذ تجيز السياسة في كلِّ مفاصلها التاريخية للساسة حتى لو كانوا مدَّعين لها ومتسلقين على زواياها بأن يأخذوا عنوةً دورَ الأب السياسي.
وهنا في هذا المفصل المهم، من الحكمة أن نفترض سوء نية الساسة، هذه حقيقة يبررها وجود ساسةٍ متسلقين ومعدومي الرؤيا ومن المؤلّفة جيوبهم، هذا هو الفارق الجوهري بين الأبوين الحقيقيين والأب السياسي.
في هذا الحيز من الصورة، يمارس الشعب الطفولة السياسية البريئة، بينما الاستثمار على رأس أولويات الساسة المتسللين من خارج المشهد؛ ففي البداية لا يفوتهم أن يهدهدوا على أماني الشعوب، ثمَّ الدخول بمرحلة بيعهم الأحلام الوردية، ولاحقاً حقنهم بإحساس أنهم قاب قوسين أو أدنى من انتصار قضيتهم وزوال عصر الظلام، إلا أنَّ تفسير المشهد للناضج مختلف تماماً كما هو الحال في كلِّ جزءٍ من سورية، يتصدره ويفرض نفسه على الساحة الأب السياسي المسيطر على الشعب ومقدراته بإرادة دولية.
لا بدَّ بعد هذه الصورة الواضحة بكلِّ أبعادها، من تحذير الشعب السوري وأي شعب يماثله الحال في أيِّ زمانٍ ومكان، بالقول: إيَّاكم أن تستسلموا للنوم ببراءة الأطفال؛ فالأبُ الذي يهدهِد ليس الأبَ الإنساني، إنّما الأبُ السياسي، وهو لا يهدهد عليكم في حجره، بل في مساحة وطنٍ فيه كثيرٌ ممَّا يغري بيعه.
إيَّاكم أن تناموا مهما كانت المغريات، ومهما كانت يد الطغمة السياسية ناعمة. أحذّركم من التعمق بالنوم، فالسياسيون سيبتعدون عن أحلامكم، مخلفين براءة تفسيركم للمشهد تنام في سريركم. إيَّاكم ثمَّ إيَّاكم أن تمروا في مرحلة الطفولة السياسية، فالساسة الطارِئون على المشهد عملياً هم نافلة في النتيجة، وهم أكثر الناس حاجةً إلى تسليط الرقابة عليهم.
إنَّ السياسة عندما تقترن بالثورة أو أي محاولة للتغيير، تمرُّ بطريق مملوء بالمغريات والمسرَّات والأموال؛ لذلك لابدَّ من الحذر والخوف من حتمية الانحراف، خاصة عندما لا يوجد ما يعصم أولئك الساسة، وأنتم مستسلمون للنوم بإفراطٍ عاطفيٍّ زائدٍ عن الحد