كايل اورتون - نيويورك تايمز

يناقش الصحفي الأمريكي "كايل أورتون" في مقال له بصحيفة "نيويورك تايمز"، قضية تسليح واشنطن لميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية / قسد" حيث يعتبر أن دعم واشنطن لهذه الميليشيا خاطئ بسبب تبعيتها لتنظيم "PKK" التركي، ويرى كايل، في المقال الذي قام موقع أورينت نت بترجمته، أن تصرفات ميليشيا "YPG" التي تهيمن على قسد سيؤدي إلى دعم تنظيم "الدولة" على عكس ما تقول الإدارة الأمريكية أنها تسعى إليه.
في ما يلي نعرض المقال الذي قام موقع أورينت نت إنكليزي بترجمته وعنوانه الأصلي (خطأ تسليح أكراد سوريا).

أخذت الولايات المتحدة على عاتقها مؤخراً تسليح وحدات حماية الشعب الكردي للمساعدة في طرد تنظيم الدولة من معقله السوري في مدينة الرقة. ويرجح أن يغدو قرار كهذا مثيراً للمتاعب، مما يهدد الاستقرار الاقليمي اللازم لدحر تنظيم الدولة. 
تنفي وحدات الحماية كونها، في حقيقة الأمر، جناحاً من حزب العمال الكردستاني، لكن البينة على ذلك جلية. تأسس حزب العمال، وهو منظمة كردية قومية ذات نزعة ماركسية، في تركيا عام 1978 وحمل السلاح ضد الدولة التركية عام 1984. أبعد قائد المنظمة عبدالله أوجلان من سوريا عام 1998 عندما خضع راعيه القديم، نظام حافظ الأسد (والد بشار الأسد)، لتهديد عسكري من تركيا. وسرعان ما اعتقل الأتراك أوجلان وتغير مسار الحرب بخلاف ما يريد حزب العمال.
بدأ حزب العمال عام 2003 بإنشاء فروع في سوريا والعراق وإيران لم يثقل كاهلها اسم الحزب لدمجها بشكل أفضل مع المجموعات السكانية الكردية، وتجنيبها المشاكل القانونية المتصلة بتصنيف الحزب كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة ومعظم الدول الغربية الأخرى، وهيئات دولية مثل الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. شكل حزب العمال حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا؛ وتمثل وحدات الحماية الميليشيا المسلحة لحزب الاتحاد الديمقراطي. 
ومع اتساع نطاق الثورة في سوريا صيف عام 2012، انسحبت القوات الحكومية من مناطق في شمال البلاد تاركةً السيطرة عليها لحزب الاتحاد. أراد نظام الأسد بذلك إبعاد الأكراد عن الثورة وبث الفرقة بين المجموعات المعارضة للحكومة. وبالرغم من المناوشات المتفرقة مع المقاتلين الأكراد، واصل النظام غض الطرف عن المناطق التي تسيطر عليها وحدات الحماية مع أنه يعارض أي حل فيدرالي طويل الأمد في البلاد. 
لم تخف وحدات الحماية قربها الايديولوجي من أوجلان، لكنها تنفي وجود صلة تنظيمية بحزب العمال. إلا أن واقع الحال خلف الكواليس هو أن زمام الأمور في مناطق سيطرة وحدات الحماية في يد أعضاء كبار فاعلين في حزب العمال، وفق ما صرح به أحد ضباط الاستخبارات في المنطقة تحدث شريطة عدم الكشف عن اسمه. فحتى القيادة المعلنة لوحدات الحماية تتكون بشكل كبير من أعضاء قدامى في حزب العمال. ويحتفظ حزب العمال كذلك بسيطرة محكمة على المستويات الدنيا من خلال شبكة قيادة موازية. 
أمضى حزب العمال سنوات نشأته في صراع مع المجموعات الأخرى التي تحدت نفوذه بين الأكراد في تركيا وأبدى قسوة في سحق أي معارضة سياسية. وبالمثل قامت وحدات الحماية منذ سيطرتها على أراضٍ في سوريا باحتكار السلطة وكونت نظام حزب واحد قمع المعارضين الأكراد والقادة والنشطاء من القوميات الأخرى. 
ألقت وحدات الحماية القبض على مئات المعتقلين السياسيين. وأبرز حالة كانت بهزاد دورسن، وهو مسؤول كبير في حزب سياسي كردي سوري معارض، مفقود منذ عام 2012. واختطفت وحدات الحماية مائة وخمسين شخصاً عام 2013 فقط، وذلك وفقاً لسجلات نشطاء أكراد مستقلين. وحسبما ذكرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" عام 2014، فهناك حالات عديدة من سوء المعاملة في سجون "روج آفا"، وهو الاسم الذي تطلقه وحدات الحماية على المنطقة التي تسيطر عليها. وتعرض أحد المنشقين الأكراد واسمه كاوا خالد حسين للتعذيب والقتل أثناء اعتقاله من قبل تلك الميليشيا. وتورطت وحدات الحماية أيضاً في عمليات اغتيال استهدفت معارضين أكراد مثل نصرالدين بيريك، وهو مسؤول كبير آخر في حزب دورسن. 
قامت وحدات الحماية بنفي خصوم بارزين آخرين، وأبعدت في شهر آب رئيس المظلة الرئيسية لمجموعة المعارضة الكردية، إبراهيم بيرو، من "روج آفا" وهددته بالقتل حال عودته. تصاعد قمع الآراء المخالفة في وقت سابق من هذا العام، فحطم خمسون مركزاً للمعارضة واعتقل عدد مماثل من المناوئين. وبلغ الأمر لدرجة فض تجمع مستقل في يوم المرأة العالمي بعنف من قبل القوى الأمنية لوحدات الحماية في تناقض صارخ مع أحد أبرز موضوعاتها الدعائية، أي دفاعها عن حقوق المرأة.
وذكر فاضل داود، وهو استاذ في الحقوق في جامعة تقع في منطقة تسيطر عليها وحدات الحماية شمال سوريا، أنه أراد أن يكون كل الطلاب تحت سقف القانون، لكنه تعرض للضرب المبرح عندما طرد أحد اقرباء قيادي في وحدات الحماية من الامتحان بسبب الغش. وهرب السيد داود من "روج آفا" ولا يستطيع العودة إليها كونه مطلوباً للأجهزة الأمنية، وأضاف قائلاً: "تزعم وحدات الحماية أنهم يحمون الأكراد وكل الناس في المنطقة، لكن الحقيقة خلاف ذلك. إنهم يأخذون المال ويفعلون ما يحلو لهم." 
تسبب المنحى التسلطي لوحدات الحماية في العداء لهم، ويعزى ذلك على وجه الخصوص لفرضهم التجنيد الإجباري والضرائب والمناهج الايدولوجية. بذلت وحدات الحماية قصارى جهدها لتأمين شرعيتها لأنها ترفض ضم أصوات كردية أخرى، وظلت تركز بشكل أساسي على تركيا، معتبرةً سوريا مجرد منطلقٍ لدعم تمرد حزب العمال ضد الحكومة التركية. أدى ذلك الموقف الذي مثل تهديداً إلى فرض حصار عليهم ومعاناة جمة لأكراد سوريا. وقد عزز الدعم الأمريكي تلك المتغيرات الحركية من خلال تمكين القادة العسكريين لحزب العمال وجعل الرؤساء الإداريين المدنيين المحليين لمنطقة "روج آفا" يدينون لهم بالفضل. 
لا تزال الولايات المتحدة تدعم قوات سوريا الديمقراطية بشكل رسمي. وتمثل تلك القوات في ظاهرها تحالفاً بين وحدات الحماية وميليشيات عشائرية عربية، وتتبع الفصائل العربية في قوات سوريا الديمقراطية لفصائل وحدات الحماية وقادتها المنحازين لحزب العمال، وتستخدم بشكل رئيسي لإدارة المناطق ذات الغالبية العربية المحررة من قبل الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة. 
إن تزويد وحدات الحماية بالأسلحة الثقيلة بشكل مباشر سيزيح الستار عن قوات سوريا الديمقراطية. وبالرغم من التأكيدات على كونها مجرد مسألة قصيرة الأمد وتكتيكية، إلا أنها تعزز قوة المجموعة خارج نطاق القتال للسيطرة على الرقة. فتلك الأسلحة غير مستردة، وقد اتخذت الولايات المتحدة من خلال ذلك الدعم خطوة نحو الاعتراف بشرعية حزب العمال على أرض الواقع. وكان ذلك سبباً لإثارة غضب الحكومة التركية، التي ترى وجود دويلة محتملة يهيمن عليها حزب العمال على حدودها الجنوبية كتهديد أمني. 
إن تهديد الهجمات الخارجية التي ينصب حبائلها تنظيم الدولة من قاعدته في الرقة يوجب ضرورة القضاء على المجموعة الإرهابية. لكن السياسة الأمريكية تجاه وحدات الحماية والضرر الناجم عنها في العلاقات مع تركيا، وهي شريك هام في الناتو ضمن موضع حساس من الناحية الاستراتيجية، ستبدو معقولة فقط إذا كان تدمير تنظيم الدولة بشكل عاجل الشغل الشاغل لواشنطن. ولن يساعد ذلك على ترسيخ الحصيلة. 
تعد النتائج المترتبة على الأرض في سوريا أهم حتى من زيادة التوتر مع تركيا. وقد بات ما يقوم به التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة يصب لسوء الحظ في صالح تنظيم الدولة من خلال استبدال المجموعة الجهادية بقوى تراها المجموعات السنية العربية المحلية غريبة وطائفية. إن سيطرة وحدات الحماية المدعومة أمريكياً على الرقة ستؤدي على الأرجح إلى تكرار ذلك الخطأ، لتخلق بذلك من جديد الظروف التي أدت إلى بزوغ تنظيم الدولة.