"الخابور( احمد عواد )"

من ينافس الله ، على اجتراح قيامة مبكرة للأموات من قبورهم، لاشك أنه خارج الناموس الكوني ، والذي يرعى هذا المختل إنسانيا، لابد منحرف بل متغطرس في شحذ أدواته الإجرامية، حين يهيئ حبكة درامية متطرفة لموت "حلا" على يد النظام ، وتهجيرها فيما بعد من قبرها ،على يد من سوّقهم العالم، ليزعموا بأنهم دعاة الديمقراطية.

على العالم أن يسأل من "حلا"؟.

حلا تشابه إلى حد ما الثورة السورية ، فكلاهما طال انتظاره ، فجاءا على عطش كاد أن يكون قاتلا ، وكلاهما عبث الأغراب باتجاهاته!.

 

حلا سعود الفاضل ١٨ عام ، تعيش مع عائلتها في بلدة "الشدادي" جنوب الحسكة ٤٠كم ، كانت صغيرة والديها  و وحيدتهم ، التي انتظروا قدومها سنيناً حتى منَّ الله بها عليهم ...

 

قصة "حلا" لا تختلف كثيرا عن القصص، التي رتّبها الموت خلال الثورة السورية في بقية المدن والبلدات الثائرة على الظلم، والتي شهدت قصفاً ومعارك هي ثمناً باهظاً لصمتِ العالم ، على أكاذيب النظام في محاربة الإرهاب، إذ تعامى العالم عن ذاك الشبيح الذي راح خلسة ،عن عيون المساكين الوجلة بانتظار حريتهم وبناء بلادهم، يجهز برميله المتفجر المحشو بالحقد الأسود في كواليس الموت في "مطار القامشلي".

    آن سماع الناس صوت هدير الطائرة، المخلوط بنثير صراخات الأطفال، وتراكض الناس بهلع وسط الشوارع، اتجهت عيونهم بخوف إلى السماء، وهي تخمن مكان سقوط البرميل، حتى باغتهم صوت انفجار قوي هزّ قلب المدينة الصغيرة، وقطع الأنفاس لدقائق مزقه صياح وعويل ، اختلط بالدخان والغبار القاتم ،الذي حجب الأجساد والأشجار والطرقات عن الرؤية ،هَرعت سيارات الإسعاف إلى مكان الانفجار تحمل ضحايا باغتهم الموت في غفلة عن عيون العالم .

     "حلا" التي لابد أنها كانت تعرف، أن الموت نهاية طبيعية بل حتمية لحياة أي إنسان، ولكنها لم تكن ترغب به باكراً، ولم تكن ترغب في اقتراب البرميل أو ربما استجدت الرياح أن تدفعه إلى الأرض البوار بعيداً عن المدينة، قد خذلتها وكان البرميل قريباً من منزلهم، فمزق حيطانه التي طالما قال القاتل أن لها آذان تدفع للاقتصاد من الكلام على وحشيته، هذا الهول المرتجل اصمت "حلا" وأغمض عينيها وأوقف قلبها الصغير إلى الأبد.

     بدا الحدث كالصاعقة، في قلبيي والديها، قبل أن يحمل جسدها في رحلة شاقة عبر القرى المتناثرة على الطريق الواصل الى مسقط رأسها (قبور الفاضل) في ريف مدينة (تل براك) الذي اعتلاه الشحوب حين لمح الجسد المثقل بالشظايا وقطع الخردة التي ربما ابتاعت بإحداها من البائع المتجول، كحلاً لعينيها يوماً خلا

دُفنت حلا في مسقط رأسها (قرية قبور الفاضل) تاركة لأبويها إرثاً ثقيلاً من الهذيان بأسئلة لاهثة إلى جواب وحيد يبلل عطش استفهاماتهم: هل عادت حلا من المدرسة؟ لماذا تأخرت حلا...؟

كل هذه القصة الملتاعة بحجة تحرير المدينة من الإرهاب، حسب زعم النظام تبين فيما بعد أن العالم لم يكتف بالصمت بل حرك أدواته لإتمام لعبته فبدل الإرهاب "الداعشي" ، بإرهاب (ب ي د) حيث سلمت لهم المدينة ، والقرى المحيطة بها ، من الريف الحسكاوي ، على طبق من أطفال باسم الديمقراطية، ومن ضمن القرى التي تمت السيطرة عليها قرية( قبور الفاضل ) وهي عبارة عن بيوتات متناثرة كيفما اتفق ، تجاورهن تلة صغيرة يتوسطها قبرشاب يحتضن جسد "حلا" وضمن حملة التغير الديمغرافي والعبث بالمعالم، لم تكتف المليشيا الجديدة بتجريف البيوت بل طالت جرافاتها  المقبرة، ومن بين القبور التي بعثرها العابثون ، قبر "حلا" دون أدنى حساب لحرمة جسد الانسان ،أُخرج  جسدها وأُلقي مع كومة من عظام الأموات الحائلة سنينا، إلى الفلاة الوقعة تحت نيران رشاشاتهم، فلم تفلح أي وجاهة أو وساطة  لستر جسدها بثرى بلادها.

تقاطرت الوجاهات تلو الوجاهات ، تحت إلحاح تجنب الإهانة التي لم تفهمها شرذمة من الهمجيين ، يمثلون اختصاراً للعالم المتآكل فيه معنى الإنسانية ،حتى أنبرى من أقربائها ذاك العقل المدرك لأكذوبة الديمقراطية ،ومحاربة الإرهاب ، العارف بأن المال هو الحل الوحيد مع الأوغاد ، وفعلاً حصل على جثتها بعد رشوةٍ لعناصر مليشيا (ب ي د) قدرها مليون ليرة سورية ، وسترها بقبر عجول  تشهد عليه شاهدة  تستحق أن يكتب عليها : أنا حلا التي قُتلت مرتين حلا حكاية الشيوخ الذين بدلوا الكرامة بالركوع على نعال أسيادهم وتذيل الشاهدة بوصية : أن البلاد أمانة في فوهات بنادقكم ، وحكايتي أمانة تنزف من ريش اقلامكم.......!