الخابور - عقاب يحيى
ضمن ظروف الثورة ومساراتها، وما عرفته من تعقيدات لم يكن ممكناً بناء مؤسسة تمثلها وفق أسس ديمقراطية أي عبر الانتخابات، كما أنها لم تنتج قيادة من صلبها بما أوجد إشكالية تأسيسية حاولت بعض القوى والتشكيلات حلّها من خلال قيام "المجلس الوطني"، ثم عبر الائتلاف .
ـ لقد حاز الائتلاف على اعتراف نحو 122 دولة باعتباره الممثل الشرعي للثورة، وهناك من يضيف "الوحيد"، وعلى أهمية هذا الاعتراف فإنه يبقى ناقصاً، وخارجياً، لأن الأساس في المشروعية هو الحاضنة الشعبية السورية عبر فعالياتها ومكوّناتها السياسية والثورية والاجتماعية .
ـ انطلاقاً من ذلك، وعبر حوارات معمّقة للرؤى الإستراتيجية وضعت قيادة الائتلاف الخطوط العريضة لبرنامج العمل الذي يستند إلى المحاور التالية :
1 ـ إقرار وثيقة الخطاب الوطني التي ينطلق من مرتكز محوري مشتقّ من الاعتراف بالائتلاف ممثلاً للشعب السوري بما يعني أن الشعب السوري بمختلف أطيافه وتموضعاته، وتواجداته محطّ اهتمام ومسؤولية من قبل الائتلاف بما في ذلك تلك المتواجدة تحت سيطرة النظام بكل تنوّع مواقفها والتي تشمل ليس الفئات المعارضة وحسب، وإنما أيضاً ما يعرف بـ"الكتلة الرمادية" أو "الصامتة" وحتى تلك المحسوبة على النظام ولا يستثنى منها سوى من أجرم بحق الشعب السوري، ويشمل ذلك أيصاً فئات الشعب في مناطق سلطات الأمر الواقع في مناطق شرق الفرات أو إدلب، ناهيك عن شعبنا المتواجد في المناطق المحررة، او في بلدان اللجوء، وبما يرتّب إقامة شبكة واسعة من اللقاءات والتواصلات ضمن شعار التشاركية .
     بناء على ذلك تمّ تشكيل "لجنة الحوار الوطني" التي قامت بمجموعة واسعة من الأنشطة عبر عقد مجموعة من اللقاءات وإنشاء "اللقاء التشاوري" بحضور طيف واسع من السوريين، وتبادل الرأي والمشورة في عدد من القضايا المختلفة التي تتجاوز واقع الائتلاف وإصلاحه إلى القضايا السياسية، ومستقبل العملية السياسية وما تواجهه من صعوبات نتيجة رفض وتعنت نظام الأسد ومن خلفه روسيا الداعمة له، كذلك عقد لقاءات تشاورية ـ تشاركية مع طيف واسع من الإخوة الكرد من خارج المجلس الوطني السوري، ومن شخصيات فاعلة في جبل العرب، ومن المسيحيين وبعض العلويين، والاتفاق على دمج تلك المجموعات في واحدة عامة ضمن اللقاء التشاوري .
     ونتيجة التحدّيات والأخطار التي تواجه منطقة الجنوب السوري عبر التواجد الإيراني المتزايد وما يحمله من مشاريع اختراقية للمجتمع السوري، ووجود مشروع "إسرائيلي"، ومحاولات النظام لخلق فتنة بين حوران والسويداء، وما تعرفه المحافظتان من عمليات خطف واغتيال وتداخلات اتُخذ قرار بتشكيل "لجنة الجنوب التوأم" التي تضمّ شخصيات فاعلة من المحافظات الثلاث: درعا ـ السويداء ـ القنيطرة بهدف الإسهام في التواصل مع عدد كبير من أبناء المنطقة تصدّياً للمشاريع الخارجية وما تقوم به إيران، وكذا خطط النظام لزرع الفتنة وضرب التعايش التاريخي .
2 ـ نظراً لأهمية المنطقة الشرقية الجيوسياسية، ودورها المأمول في تطورات الحالة السورية ومستقبل البلاد، عرفت "لجنة الجزيرة والفرات" نشاطاً مكثفاً عبر الدعم الكبير الذي قدّمته رئاسة الائتلاف وذلك بوضع برنامج عملها موضع التنفيذ الشامل، والقيام بحوارات مع عدد كبير من أبناء دير الزور ولأكثر من مرة والتوافق على إقرار ما يعرف بـ"ميثاق دير الزور"، وكذا عدة لقاءات مع أبناء الرقة والاتفاق على اختيار لجنة من بينهم تقوم بانتخاب، أو التوافق على عدد محدود منهم يمثلهم في اللقاء مع الائتلاف، وقد تمّ ذلك وهناك لجنة أطلقوا عليها المكتب السياسي للرقة تتواصل مع الائتلاف وتمثل المدينة بكافة مناطقها للتواصل والتفاعل ىمع مثيلاتها في المحافظات الأخرى ومع الجهات الفاعلة في المنطقة .
ـ وعلى صعيد الحسكة بتنوّع مكوناتها جرى لقاء هام مع عدد كبير من أبنائها، وتخصيص غرفة خاصة لحوارات مفتوحة تناغماً مع ما يجري مع بقية المحافظات، وباتجاه التوافق على عدد يتم اختياره لتمثيل المحافظة .
3 ـ من أهم الخطوات التي قررها الائتلاف اعتبار سورية، خاصة في المناطق المحررة مكان تواجده وعمله عبر الانتقال المتدرّج، واستمرار التواجد فيه، وقام الائتلاف بمجموعة من الأنشطة من خلال تواجد عدد كبير من أعضاء الهيئة السياسية والائتلاف، وكانت المرة الأولى التي تعقد الهيئة العامة دورة اجتماعاتها الـ 53 في سورية، والتي صادفت ذكرى تأسيس الائتلاف، والقيام بعدد واسع من اللقاءات مع فعاليات شعبنا التي تمثل مختلف محافظات سورية عبر تواجد المهجّرين، وتفعيل لجنة اللاجئين، والمهجّرين، والعمل مع مختلف الجهات الإقليمية والدولية لتقديم العون الممكن تخفيفاً لمعاناة شعبنا، ولإبقاء قضية اللاجئين حاضرة في المحافل الدولية، وتحديد موقف الائتلاف من "عودة اللاجئين" والشروط

التي يجب توفرّها لتأمين عودة آمنة .
4 ـ إن تكريس حوكمة رشيدة في المناطق المحررة تمثل التحدي الأكبر لقوى الثورة، والردّ على بنية وممارسات النظام بتقديم البديل الذي يجب أن يمثل طموح السوريين، وآمالهم في إقامة نظام ديمقراطي يضمن حرية التعبير والعمل والانتقال لجميع المواطنين، ويساوي بينهم على أساس المواطنة .
لقد عانت المناطق المحررة أوضاعاً صعبة في مختلف المجالات، وواجهت، وما تزال تحدّيات كبيرة منها الأوضاع الأمنية المتفجرة ووجود حهات متعددة تعمل على منع الأمن والاستقرار وعودة الحياة الطبيعية عبر عمليات متلاحقة من التفجيرات والاغتيالات والأعمال الإرهابية التي تطال المواطنين والمؤسسات والبنى التحتية، وتقف كلّ من داعش و(البي ـ وي ـ دي) ومن خلفه حزب العمال الكردستاني(البيككي)، والنظام وإيران خلفها.
ـ كما أن عديد التجاوزات متعددة الأشكال حصلت من قبل أفراد، أو بعض المجموعات المتواجدة في تلك المناطق والتي يجري استثمارها وتوظيفها ضد الفصائل والجيش الوطني، وقد أولت قيادة الائتلاف أهمية خاصة لمعالجة هذه الأوضاع من خلال مجموعة من الإجراءات، كتشكيل لجنة لردّ المظالم، وتقوية دور القضاء بكل فروعه، والاطلاع على أوضاع الموقوفين والتعامل معهم وحقوقهم في الزيارات وفي توكيل محامين للدفاع عنهم، ودعوة الأهالي إلى العودة لبيوتهم وممتلكاتهم عبر إصدار عفو عام من قبل رئيس الحكومة السورية المؤقتة، وتقوية جهازي الشرطة المدنية، والشرطة العسكرية، ومؤسسات المجتمع المدني، والمجالس المحلية .
ـ تولي قيادة الائتلاف اهتمامها لتمكين الحكومة السورية المؤقتة من القيام بدورها المأمول، رغم شحّ الإمكانات وقلتها كذراع تنفيذي تناط به العديد من المهام المتشعبة في المناطق المحررة، وإتمام بناء الجيش الوطني كمؤسسة وطنية، حرفية، تنهي الفصائلية، وتعتمد المهنية والتراتبية العسكرية المعروفة، والبدء بتنفيذ إقامة الكلية الحربية لتخريج ضباط محترفين وفق معايير معتمدة، وتحمي أمن المواطنين والمناطق المحررة من الاعتداءات المتكررة . وكذا الأمر فيما يخصّ "وحدة تنسيق الدعم" وتمكينها أكثر للقيام بمشاريعها المتنوعة، وصندوق الائتمان، والمجالس المحلية .
5 ـ في الوقت نفسه فإن إيلاء الأهمية لتعزيز العلاقات مع الأشقاء العرب، والحكومة التركية الحليفة التي تحتوي العدد الأكبر من اللاجئين السوريين، والتي قدّمت العون الكبير لهم، وبقية أصدقاء الشعب السوري هي ركن رئيس من خطة العمل التي يمارسها الائتلاف، بما يتجاوز المفاوضات السياسية إلى واقع ومستقبل البلاد، وأهمية تطوير علاقات الأخوة والصداقة القائمة على التفاهم والوشائج، والمصالح المشتركة .
                                     
إن مجموعة هذه الخطوات البرنامجية لا بدّ وأن تكون جزءاً رئيساً من عملية إصلاح الائتلاف وتأهيله ليكون الممثل الحقيقي للثورة السورية، دون أن يعني ذلك إغفال أهمية الإصلاح البنيوي للائتلاف بكل ما يقتضيه ذلك من خطوات داخلية، والتوجّه الجاد لعقد لقاء تشاوري وطني في الداخل السوري يناط به دراسة أوضاع الثورة السورية وما تواجهه البلاد من أخطار، والتوصل إلى مخرجات في مختلف المجالات تكون الإطار الأوسع لبرنامج العمل المقبل لقوى الثورة وفئات الشعب السوري في مختلف المناطق .